الفنانة هي مديحة كامل رحمها الله
وأحداث القصة بلسان ابنتها
الحلقة الأولى
تفتحت عيناى على خالة رائعة كانت بالنسبة لى بمثابة الأم الحنون ، وزوج خالة فاضل وأولاد وبنات خالة كانوا يكنون لى الحب الصادق . وحينما كبرت شيئا فشيئا أحببت أسرتى أكثر وأكثر . كانت خالتى وزوجها يداومان على صلاة الفجر وعلى ايقاظ أبنائهما ليؤدوا الصلاة جماعة . ..ولقد حرصت على الوقوف معهم وتقليدهم منذ أن كان عمرى خمس سنوات . كان زوج خالتى حافظا للقرآن الكريم ، وكان صوته شجيا عذبا . وكان رجلا متدفقا بالحنان والعطاء وخاصة بالنسبة لى . وكان يعتبرنى آخر أبناءه ، وكان يداعبنى
دائما ويقول : آخر العنقود سكر معقود! وفى الأعياد كانت تزورنا سيدة جميلة أنيقة وهى تحمل الكثير من الهدايا لى . وكانت تحتضنى وتقبلنى فأقول لها : شكرا ياطنط !
فتضحك قائلة : لا تقولى طنط . قولى دودو! وعندما بلغت السابعة علمت أن (دودو) هى أمى وأن عملها يستغرق كل وقتها ولذلك اضطرت أن تتركنى عند خالتى .
وعندما بلغت الثانيه عشر حزمت أمى حقائبى واصطحبتنى إلى بيتها
***
كان بيت أمى أنيقا فسيحا فى منطقة المهندسين . وكان لديها جيش من الخدم والحرس والمعاونين . وكان جميع من يحيطون بها يتسابقون لتلبية أوامرها وكأنها ملكة متوجة!ورغم كل مظاهر الثراء المحيطة بى إلا أننى شعرت بالغربة ، وأحسست وكأنى جزيرة منعزلة فى قلب المحيط ! ورغم أن أمى كانت تلاطفنى وتداعبنى فى فترات وجودها القليلة
بالمنزل ، إلا أننى كنت أشعر وأنا بين أحضانها أننى بين أحضان امرأة غريبة عنى .
حتى رائحتها لم تكن تلك الرائحة التى كنت أعشقها وأنا بين أحضان خالتى.. كانت
رائحتها مزيج من رائحة العطور والسجائر ورائحة أخرى غريبة علمت فيما بعد أنها رائحة الخمر! وبعد فترة قصيرة من اقامتى معها سألتها عن نوعية ذلك العمل الذى تمارسه ويشغلها عنى معظم الوقت ، فنظرت لى فى تعجب كأنى مخلوق قادم من المريخ وقالت :ألا تعلمين أنى أعمل ممثلة؟ ألم تخبرك خالتك ؟ فأجبتها بالنفى . فقالت بالطبع لم تخبرك فهى لا ترضى عن عملى . إنها تعتبره حراما . كم هى ساذجة!! ان الفن الذى أمارسه يخدم رسالة نبيلة . إنه يهذب الوجدان ويسمو بالشعور . ثم جذبتنى من يدى للصالون وقالت :
سوف أجعلك تشاهدين كل أفلامى . ووضعت شريطا فى الفيديو . وجلست لأشاهد ولأول مرة فى حياتى فيلما لها . كان الفيلم يتضمن مشاهد كثيرة لها بالمايوهات الساخنة وبأقمصة النوم الشفافة ، ومشاهد عديدة تحتضن فيها رجلا وتقبله قبلات مثيرة .
لم أكن قد شاهدت شيئا كهذا من قبل ، حيث كان زوج خالتى يمارس رقابة شديدة على ما نشاهده فى التلفاز . وكان يأمرنا أحيانا بغلقه حينما تأتى بعض المشاهد ، ويغلقه تماما حينما تأتى بعض الأفلام والتى علمت فيما بعد أنها كانت من بطولة أمى . لم أعرف ماذا أفعل وأنا أشاهد أمى فى تلك الأوضاع . كل مااستطعت القيام به هو الانحناء برأسى والنظر إلى الأرض . أما هى فقد ضحكت علي من أعماقها حتى طفرت الدموع من عينيها
***
الحلقة الثانية
وكبرت وأصبحت فى الثامنة عشرة من العمر ، وحرجي من مشاهد أمى يزداد ، ومشاهدها تزداد سخونة وعريا ، ونظرات زملائى لى فى مدرستى المشتركة تقتلنى فى اليوم ألف مرة.
كانوا ينظرون لى كفتاة رخيصة سهلة المنال ، رغم أننى لست كذلك ولم أكن أبدا كذلك .
على العكس . كنت حريصة منذ صغرى على آداء فروض دينى وعلى اجتناب مانهى الله عنه.
وكنت أشعر بالحزن العميق وأنا أرى أمى وهى تشرب الخمر فى نهار رمضان . وأشعر بالأسى وأنا أراها لا تكاد تعرف عدد ركعات كل صلاة .
لقد كان كل ماتعرفه عن الإسلام الشهادتتن فقط
***
لعل هناك من يريد أن يسألنى الآن : لماذا لم تعترضى عليها حينما كنت فى ذلك العمر ؟
من قال أننى لم أعترض ؟! لقد صارحتها مرارا وتكرارا بأن أسلوبها فى الحياة لا
يرضينى ، وتوسلت إليها أن تعتزل التمثيل وأن تبحث عن عمل آخر . فكانت تسخر منى أحيانا . وأحيانا تتظاهر بالموافقة على طلبى . وأحيانا تثور على وتتهمنى بالجحود وتقول : ماذا تريدين بالضبط ؟! إننى أعاملك كأميرة . لقد اشتريت لك المرسيدس رغم أنك مازلت فى الثانوية . كل فساتينك من أوروبا . كل عام أصطحبك إلى عواصم العالم .
باختصار كل أحلامك أوامر ! حينما أرد قائلة : حلمى الأكبر أن أراك محتشمة كما أرى
كل الأمهات . تصيح قائلة : المشاهد التى لاتروق لك هى التى تكفل لك هذه الحياة الرغدة التى تنعمين بها والتى تحسدك عليها كل البنات . لكنك عمياء لا تستطيعين الرؤية! وأمام رغبتها الجامحة للأضواء والشهرة والمال أضطر إلى أن أبتلع اعتراضى فى مرارة
***
وحينما اقترب عيد ميلادى العشرون سألتنى عن الهدية التى أريدها . فقلت : رحلة إلى المكان الذى لم نزره من قبل . فاندهشت وقالت : وهل هناك مكان فى العالم لم نزره؟!
قلت : نعم ياماما . نحن لم نزر مكة!. تجمدت للحظات وقالت : مكة! !؟ نظرت اليها فى توسل وقلت : أرجوك ياماما لبى لى هذا الطلب . فابتسمت وقالت : وهل أستطيع أن أرفض
لك طلبا ياحبيبتى ! ؟ .... و كانت رحلتنا إلى الأراضى المقدسة!
***
إننى لاأستطيع أن أصف شعورى حينما وطأت قدماى الأرض الطاهرة . كان احساسى وكأنى مشى على السحاب! كانت الفرحة تغمرنى وشعورا بالهيبة يكتنفنى . وحينما رأيت الكعبة لأول مرة انهمرت الدموع من عينى ووجدت لسانى يردد : ?( اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون ?) آلاف المرات . وجاءنى هاتف يؤكد لى أن الله تعالى قد استجاب لدعائى وأنه سيصلح من أحوال أمى . وتعجبت كيف جاءنى ذلك الهاتف على الرغم من أن أمى كان يسيطر عليها الشعور بالملل طيلة الفترة التى قضيناها بمكة . وأدينا العمرة وعدنا إلى
القاهرة وارتديت الحجاب . واندهشت هى من تلك الخطوة ولم تعلق عليها فى البداية ، وانشغلت فى تصوير بعض الأفلام والمسلسلات . وحينما انتهت منها وتفرغت لى قليلا بدأالصدام بيننا
الحلقة الثالثة
كانت ترمقنى بنظرات ساخرة وتقول : ماهذه العمامة التى ترتدينها ؟ ماهذا التخلف ؟
هل صار لديك ستون عاما حتى ترتدى هذا الحجاب؟! ماذا سيقول عنى الناس وأنا أسير بجانبك؟ طبعا سيقولون أننى أصبحت أم الحاجة! أنا التى أمثل دور الحبيبة حتى الآن أصبح أم الحاجة ؟! ماالذى سأفعله بفساتينك التى أحضرتها لك من أوروبا ؟
هل أسكب عليها بنزين وأحرقها ؟! ذات مرة واتتنى الشجاعة وقلت لها : أنا على استعداد أن أعيش مع خالتى حتى لا أسبب لك حرجا . وكأنى نطقت كفرا ، ثارت وهاجت وصرخت قائلة : زوج خالتك رجل فقير لن يستطيع الإنفاق عليك. وأقسم لك لو غادرتى بيتى فلن أنفق عليك مليما واحدا ، أنا لم أربك حتى تتركينى . فقلت : حسنا . دعينى أعيش حياتى بالإسلوب الذى يرضينى . فنظرت إلى فى حدة ثم قالت فى سخط : أنت حرة!
ومر عام على تلك المناقشات الساخنة والعلاقة بيننا فى فتور حتى حدث تغير مفاجىء عليها بعد عودتها من تصوير أحد أفلامها فى امستردام
***
لقد أصبح الحزن يكسو ملامحها والقلق يفترسها . أمرتنى ألا أقود السيارة بنفسى خوفا على حياتى واستأجرت لى سائق خاص . صارت لا تنام الليل إلا وأنا بين أحضانها ! .
وحينما كنت أسألها عن سر هذ الحزن والقلق كانت تصطنع ابتسامة وتقول: ليس هناك حزن أو قلق . وحاولت أن أعرف سر هذا التغير من مديرة أعمالها ، والتى كانت تلازمها كظلها . وبعد ضغط وإلحاح منى قالت : حدث موقف غير ظريف فى امستردام . لقد قابلت والدتك ابن عمها المهندس أحمد هناك بالصدفة . كان يعقد إحدى الصفقات لشركته .
وعندما اقتحمت عليه المكان لتصافحه قال لها فى جفاء : إنه سىء الحظ أمام هذه المصادفة ، وأنها صديقة للشيطان . وأنها بأفلامها تثير غرائز الشباب ، وأنها تدمن الخمر ولا تستر عوراتها. ثم قال : أنا أعلم أن روحك فى ابنتك الوحيدة . احذرى أن ينصب غضب السماء على ابنتك لتكتوى أنت بنارها! حينما أنهت مديرة الأعمال حديثها معى كنت أشعر وكأن أحدا ضربنى بمطرقة فوق رأسى . كان قريبنا محقا فى نهيه لها عما تفعله من منكر . لكنه كان قاسيا وغير عادل حين هددها بأن يحل انتقام الله فى ، لأن الله تعالى لا يأخذ أحد بجريرة آخر . ألم يقل فى كتابه الكريم :? ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )؟ ?وانهرت من البكاء ورثيت لحالها ولحالى
***
الحلقة الرابعة
بعد عدة شهور حدث مالم يدر بخلدى فى يوم من الأيام ! ظهر لديها ورم فى الصدر ، وهاجمتنا الهواجس وتشككنا فى كونه مرض خبيث ، وسافرت معها إلى لندن لإجراء العملية وحالتنا النفسية فى الحضيض . وقبل لحظات من دخولها غرفة العمليات أمسكت بيدى وقالت : أنا أعلم مدى عمق صلتك بالله، وأعلم أننى لا أستحق إبنة طاهرة مثلك ، وأننى أسأت إليك كثيرا بأفعالى . لكن أرجوك ادع الله لى بالرحمة لو خرجت من الغرفة وقد غادرتنى الحياة . وهنا وجدت نفسى أبكى بعنف وأرتمى برأسى فوق صدرها وأقول : ستعيشين ياماما . ستعيشين لأنى أحتاجك ولأن الله لن يحرم إبنة من أمها!
فابتسمت وقالت : لو عشت فسوف أعلن لك عن مفاجأة! ونجحت العملية ، وسألتها عن تلك المفاجأة . فنظرت إلىّ نظرة طويلة فى حنان ثم قالت : المفاجأة هى إقلاعى عن الخمر والسجائر كمرحلة أولى تتبعها مراحل أخرى! قفزت من السعادة واحتضنتها وطبعت قبلاتى حيثما طالت شفتاى فوق وجهها وعنقها وذراعها! كم كنت أتمنى أن تبدأ أمى هذه الخطوة !وبدأت أمى تؤدى فريضة الصلاة وتسألنى عن مقدار الزكاة وعما خفى عليها من أمور دينها، وأنا أجيبها فى سعادة . لكن دوام الحال من المحال ! فلم يمض شهر على تحسن
أحوالها حتى عادت إلى سيرتها القديمة مرة أخرى ، ووجدتها ذات يوم عائدة إلى البيت فى الرابعة صباحا وهى تترنح من الخمر ومديرة أعمالها تسندها وتمنعها من الوقوع على الأرض . فصرخت فيها والمرارة تعتصرنى : خمر مرة أخرى! وأشارت لى مديرة الأعمال بأن أساعدها لإيصالها إلى غرفتها فاتجهت إلى غرفتى وصحت بأعلى صوتى : إذا كانت هى لا تساعد نفسها فلن يستطيع أحد مساعدتها . وصفقت باب الغرفة بعنف . وبعد قليل دخلت غرفتى مديرة الأعمال وقالت : أنا أعرف أن حالتك النفسية الآن سيئة . لكن صدقينى هذه
أول مرة تعود فيها إلى الخمر منذ الوعد الذى قطعته على نفسها . لقد كنا فى حفل لزوجة نجم من كبار نجوم الصف الأول ، وظل ذلك النجم يسخر من اقلاعها عن الخمر ، ويقسم بالطلاق أن يحتسى معها ولو كأس واحدة . فى البداية رفضت . لكن كبار المدعوين صفقوا لها بحرارة حتى تشجعت وشربت كأس الويسكى والكأس جر كؤوسا أخرى وراءه . صدقينى أمك تتمنى أن تتغير ، ولذلك أرجوك أن تقفى بجانبها.
حاولت أن أتشبث بكلمات مديرة الأعمال . وأن أقنع نفسى بأنها تجاهد نزواتها حتى كانت سلسلة أفلامها الأخيرة بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير