ان اللغة ظاهرة اجتماعية، بالغة الأهمية، لما تقوم به من دور فعّال في الاتصال والتفاهم بين البشر، وهي نعمة عظيمة منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وميزه بها عن سائر المخلوقات.
وتعتبر اللغة العربية احدى لغات البشر، صنفها علماء اللغة ضمن اسرة اللغات السامية، وان فضلها ليس في ذاتها على اعتبار انها لغة مثل سائر اللغات، تتكون من انظمة صوتية وصرفية ونحوية ودلالية، وليس لها قيمة معيارية في حد ذاتها، وانما يرجع فضلها وشرفها الى عوامل اخرى دينية وتاريخية وثقافية، حيث ان الله سبحانه وتعالى قد شرفنا بأن جعل رسالته الخاتمة بتراكيبها، فجاء التنزيل بها محل اعجاز وتحد، ليس على الاسلوب والصياغة فحسب، وانما على جميع الاصعدة اللغوية والفكرية.
ثم من فضل الله سبحانه وتعالى على اللغة العربية ان وهبها ـ منذ عصورها الأولى ـ رجالا كانت عندهم بمثابة العقيدة، واخلصوا لها الإخلاص كله، وابداع فيها المبدعون, وان المتأمل لواقع اللغة العربية الآن ليحزن كثيرا، بل ويذرف الدمع على ما آلت إليه حيث كثرت الاخطاء في الإملاء والنحو، بكل صفحات الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، ورغم وجود هذه الاخطاء فإن احدا لا يلتفت إلى تصويبها.
ولقد تعرضت لغتنا الى حرب شعواء من اعداء الثقافة العربية، مستخدمين في ذلك اسلحة شتى، منها (الازدواجية اللغوية)، (قضية العامية) مستهدفين محو الهوية الاسلامية والعربية معا.
ولكن مثل هذه الدعاوى قد لاقت رفضا ومقاومة من المثقفين العرب ما ايأس هؤلاء الاعداء من تكرار محاولاتهم، ولكن من المؤسف حقا ان برز بعد ذلك من العرب انفسهم من يقوم بهذا الدور، وينذر حياته لمحاربة اللغة الفصحى، حتى كثرت حملات التشكيك فيها، واستخدمت في ذلك العبارات البراقة الخادعة من إصلاح وتطوير وتحديث.
ومما يؤلم قلب الغيور على لغته ان هذه المؤامرات على الفصحى ما زالت مستمرة وتجد صدى كبيرا في بعض البلاد العربية، مع التنوع في طرقها ووسائلها، مستمدة اصولها من الغزو الفكري، والتغريب الثقافي للأمة العربية بهدف القضاء على هويتها.
وليس معنى هذا اننا نقلل من شأن اللغات الاخرى، لأن الخطورة ليست في تعليم الشباب لها، وانما الخطورة في المغالاة والاهتمام باللغة الاجنبية بحيث ينطقها الشاب بطلاقة، ويعجز عن ان يتحدث بلغته، وبذلك يفقد هويته العربية، ويصبح لا يختلف كثيرا عن الشاب الاجنبي، فهل يقبل اي أب بأن يصبح ابنه ـ قرة عينه ـ هكذا؟
واقولها بمرارة، قد يقبل بعض الآباء ذلك، بل ويفتخر احيانا بذلك، واذا استسلمنا لهذا الواقع المر، لاتضح لنا مدى الخطر الذي يهدد لغتنا.
يا لسوء ما وصلنا إليه، كنا نحرص على تأصيل لغتنا في نفوس الأبناء حتى كان العربي الذي يقيم في الحاضرة عندما يكبر ابنه يرسله الى البادية ليتقن لغته فيها ويكتسب من اهلها الصفات الكريمة من الكرم والشجاعة والفروسية، وغيرها.
مسكينة لغتنا، لقد تحملت، وما زلت تتحملين اكثر من طاقتك، ويكفي انك تعيشين الآن غريبة بين اهلك، وإني لعاذرك، لأنها اقصى انواع الغربة، وكأني بك وأنت تتألمين من هجرنا لك