الحسيب
قال الله تعالى ( وكفى بالله حسيباً ) وقال سبحانه ( الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين )
والحسيب: 1ـ هو الكافي للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم من حصول
المنافع ودفع المضار . 2ـ والحسيب بالمعنى الأخص هو الكافي لعبده المتقي المتوكل
عليه كفاية خاصة يصلح بها دينه وديناه . 3ـ والحسيب أيضاً هو الذي يحفظ أعمال
عباده من خير وشر ويحاسبهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر . قال تعالى ( يا أيها النبي
حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) . أي كافيك وكافي أتباعك وكفاية الله لعبده
بحسب ما قام به من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وقيامه بعبودية
الله تعالى .
الهادي
قال الله تعالى ( وكفى بربك هادياً ونصيراً ) وقال تعالى ( وإن الله لهادي الذين آمنوا
إلى صراط مستقيم ) . الهادي أي الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى
دفع المضار ويعلمهم ما لا يعلمون ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد ويلهمهم التقوى
ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره والهداية هي دلالة بلطف وهداية الله تعالى
للإنسان على أربعة أوجه : الأول : الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل والفطنة
والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شئ بقدر فيه حسب احتماله كما قال تعالى (
ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) . الثاني : الهداية التي جعل للناس بدعائه
إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى ( وجعلنا
منهم أئمة يهدون بأمرنا ). الثالث : التوفيق الذي يختص به من اهتدى وهو المعني بقوله
تعالى : ( والذين أهتدوا زادهم هدى ) وقوله تعالى : ( ومن يؤمــــن بالله يهدي قلبه )
وقوله : ( إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) وقوله : ( والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . الرابع : الهداية في الآخرة إلى الجنة المعني بقوله (
سيهديهم ويصلح بالهم ) وقوله ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) وهذه الهدايات الأربع مترتبة
فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل الثانية بل لا يصح تكليفه ومن لم تحصل له الثانية لا
تحصل له الثالثة والرابعة ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها ومن حصل
له الثالث فقد حصل له اللذان قبله ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثانية ولا
يحصل الثالث والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر
أنواع الهدايات وإلى الثانية أشار بقوله : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) وقوله : (
يهدون بأمرنا ) وقوله : ( ولك قوم هاد ) أي داع وإلى سائر الهدايات أشار بقوله : ( إنك
لا تهدي من أحببت ) . فهو الذي قوله رشد وفعله كله رشد وهو مرشد الحيران الضال
فيهديه إلى الصراط المستقيم بياناً وتعليماً وتوفيقاً فأقواله القدريه التي يوجد بها
الأشياء ويدبر بها الأمور كلها حق لإشتمالها على الحكمة والحسن والإتقان وأقواله
الشرعية الدينية هي أقواله التي تكلم بها في كتبه وعلى ألسنة رسله المشتملة على
الصدق التام في الأخبار والعدل الكامل في الأمر والنهي ، فإنه لا أصدق من الله قيلا ولا
أحسن منه حديثاً . ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ) . في الأمر والنهي وهي أعظم وأجل
ما يرشد بها العباد بل لا حصول على الرشاد بغيرها فمن ابتغى الهدى من غيرها أضله
الله ومن لم يسترشد بها فليس برشيد . فيحصل بها الرشد العملي وهو بيان الحقائق
والأصول والفروع والمصالح والمضار الدينية والدنيوية ويحصل بها الرشد العملي فإنها
تذكي النفوس وتطهر القلوب وتدعو إلى أصلح الأعمال وأحسن الأخلاق وتحث على كل
جميل وترهب عن كل ذميم رذيل ومن استرشد بها فهو المهتدي ومن لم يسترشد بها
فهو ضال . ولم يجعل لأحد عليه حجة بعد بعثته للرسل وإنزاله للكتب المشتملة على
الهدى المطلق فكم هدى بفضله ضالاً وارشد حائراً وخصوصاً من تعلق به وطلب منه
الهدى من صميم قلبه وعلم أنه المنفرد بالهداية وكل هداية ذكر الله عز وجله أنه منع
الظالمين الكافرين فهي الهداية الثالثة وهي هداية التوفيق والإلهام الذي يختص به
المهتدون والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة كقوله عز وجل ( والله لا
يهدي القوم الظالمين ) وقوله : ( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا عن الآخرة وأن الله لا
يهدي القوم الكافرين ) وكل هداية نفاها الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البشر
فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق وذلك كإعطاء العقل والتوفيق وإدخال
الجنة كقوله تعالى : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) . فاسال الله أن
يهدينا لما يحبه ويرضاه فهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الحكم
قال الله تعالى : ( فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ) . وقال تعالى (
وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا لا مبدل لكلماته ) وقال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل
والإحسان ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله هو الحكم وإليه الحكم ) . وقال تعالى :
( أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً ) . والله سبحانه هو الذي
يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة ولا يحمل أحد وزر
أحد ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه ويؤدي الحقوق إلى أهلها فلا يدعو صاحب حق إلا
وصل إليه حقه وهو العدل في تدبيره وتقديره ، وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله
وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة ليس فيها شائبة جور أصلاً فهي كلها
بين الفضل والرحمة وبين العدل والحكمة كما قدمنا وما ينزله سبحانه بالعصاة
والمكذبين من انواع الهلاك والخزي في الدنيا وما أعده لهم من العذاب المهين بالآخرة ،
فإنما فعل بهم ما يستحقونه فإنه لا يأخذ إلا بذنب ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة
وأقواله كلها عدل فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ولا ينهاهم إلا عن
ما مضرته خالصة أو راجحة وكذلك حكمه بين عباده يوم فضل القضاء ووزنه لأعمالهم
عدل لا جور فيه كما قـــــــــال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم
نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) وهو سبحانه
الحكم بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط وهذا معنى قوله : (
إن ربي على صراط مستقيم) فإن أقواله صدق وأفعاله دائرة بين العدل والفضل ، فهي
كل أفعال رشيدة وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجه من
الوجوه وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب .
القدوس السلام
قال الله تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام ) . القدوس السلام
معناهما متقاربان فإن القدوس مأخوذ من قدس بمعنى نزهه وأبعده عن السوء مع
الإجلال والتعظيم . والسلام مأخوذ من السلامة فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من
خلقه ومن النقص ومن كل ما ينافي كماله ، فهو المقدس المعظم ، المنزه عن كل سوء
السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان ومن كل ما ينافي كماله فهذا ضابط ما ينزه
عنه ، ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه وينزه ويعظم أن يكون له مثيل أو شبيه أو
كفؤ أو سمي أو ند أو مضاد وينزه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات
وأعظمها وأوسعها ومن تمام تنزييه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمه له ، فإن
التنزيه مراد لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة كظن الجاهلية الذين يظنون
به ظن السوء ظن غير ما يليق بجلاله وإذا قال العبد مثنياً على ربه سبحان الله أو تقدس
الله أو تعالى الله ونحوها ، كان مثنياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال .
قال الإمام بن القيم رحمه الله تعالى في اسم السلام ( الله أحق بهذا الإسم من كل مسمى
به لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه فهو السلام الحق بكل اعتبار
والمخلوق سلام بالإضافة فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم
وسلام في صفاته من كل عيب ونقص وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم
وفعل واقع على غير وجه الحكمة بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار فعلم أن
استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه وهذا هو حقيقة التنزيه
الذي نزه بها نفسه ونزهه به رسوله فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النضير
والكفؤ والسمي والمماثل والسلام من الشريك ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله
وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم وكذلك
قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب وعلمه سلام من عزوب شئ عنه أو عروض
نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة
وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً وغناه سلام من الحاجة إلى
غيره بوجه ما بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه وملكه سلام من
منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه ، وإلاهيته سلام من
مشارك له فيها ، بل هو الله الذي لا إله إلا هو ، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته
وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره ، بل
هو محض جوده وإحسانه وكرمه ، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه
سلام من أن يكون ظلماً ، أو تشفياً ، أو غلظة أو قسوة بل هو محض حكمته وعدله
ووضعه الأشياء مواضعها ، وهو مما يتحقق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على
إحسانه وثوابه ونعمه بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضاً لحكمته ولعزته ،
فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله ، وحكمته وعزته فهو سلام مما يتوهم أعداؤه
الجاهلون به من خلال حكمته . وقضاؤه وقدرته سلام من العبث والجور والظلم ومن توهم
وقوعه على خلاف الحكمة البالغة ، وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف
والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته بل شرعه كله
حكمة ، ورحمة ، ومصلحة ، وعدل ، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة
إلى المعطى ، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق ، بل عطاؤه إحسان محض لا
لمعاوضة ولا لحاجة ، منعه عدل محض وحكمه لا يشوبه بخل ولا عجز . واستواؤه وعلوه
على عرشه سلام من أن يكون محتاجاً إلى ما يحمله أو يستوى عليه ، بل العرش محتاج
إلى ما يحمله أو يستوي عليه ، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه ، فهو
الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه ، فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا
حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شئ به سبحانه وتعالى ، بل كان سبحانه ولا عرش
ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد ، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على
خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما . ونزوله كل
ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه ، وكماله سلام من كل
ما يتوهم معطل أو مشبه ، وسلام من أن يصير تحت شئ أو محصوراً في شئ ، تعالى
الله ربنا عن كل ما يضاد كماله . وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو
يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق ،
بل هي موالاة رحمة ، وخير وإحسان ، وبر كما قال ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً
ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) . فلم ينف أن يكون له ولي مطلقاً
بل نفى أن يكون له ولي من الذل . وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة
المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له انتفاع بقربه ، وسلام مما يتقوله
المعطلون فيها . وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو
بتقوله معطل. فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى . وكم ممن
حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان .
الرحمن الرحيم الكريم الأكرم الرؤوف
قال الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ) وقال تعالى ( ومن شكر فإنما
يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ) . وقال سبحانه : ( ويحذركم الله نفسه
والله رءوف بالعباد ). قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله
تعالى : الرحمن ، الرحيم ، والبر ، الكريم ، الجواد ، الرءوف ، الوهاب ـ هذه الأسماء
تتقارب معانيها ، وتدل كلها على إتصاف الرب ، بالرحمة والبر والجود والكرم وعلى
سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته ، وخص
المؤمنين منها ، بالنصيب الأوفر ، والحظ الأكمل ، قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شئ
فسأكتبها للذين يتقون ) . والنعم والإحسان ، كله من آثار رحمته وجوده ، وكرمه
وخيرات الدنيا والآخرة كلها من آثار رحمته ، وقال بن تيمية رحمه الله في تفسير قوله
تعالى : ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) سمى ووصف نفسه
بالمكرم ، وبأنه الأكرم بعد أخباره أنه خلق ليتبين أنه ينعم على المخلوقين ويوصلهم
إلى الغايات المحمودة كما قال تعالى : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) ( ربنا
الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) ( الذي خلقني فهو يهدين) فالخلق يتضمن الابتداء
والكرم تضمن الانتهاء . كما قال في سورة الفاتحة ( رب العالمين ) ثم قال (الرحمن
الرحيم) ولفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء من تمام معناه ،
فإن الإحسان إلى الغير تمام المحاسن والكرم كثرة الخير ويسرته .. والله سبحانه أخبر
أنه الأكرم بصيغة التفضل والتعريف لها ، فدل على أنه الأكرم وحده بخلاف ما لو قال
(وربك الأكرم) فإنه لا يدل على الحصر ، وقوله (الأكرم) يدل على الحصر ولم يقل (الأكرم
من كذا ) بل أطلق الاسم ليبين أنه الأكرم مطلقاً غير مفيد فدل على أنه متصف بغاية
الكرم الذي لا شئ فوقه ولا نقص فيه