المضمضة والاستنشاق للصائم
س: هناك من يقول بأن المضمضة أو الاستنشاق في الوضوء يؤثر على صحة صيام الصائم ، فما مدى صدق هذا القول ؟
ج: المضمضة والاستنشاق في الوضوء ، إما سنتان من سننه كما هو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي ، وإما فرضان من فروضه كما هو مذهب الإمام أحمد الذي اعتبرهما جزءاً من غسل الوجه المأمور به . وسواء كانتا من السنن أم الفرائض ، فلا ينبغي تركهما في الوضوء في صيام أو فطر .
كل ما على المسلم في حالة الصيام ألا يبالغ فيهما . كما يبالغ في حالة الإفطار فقد جاء في الحديث : ( إذا استنشقت فأبلغ ألا أن تكون صائماً ) (أخرجه الشافعي وأحمد والأربعة والبيهقي .). فإذا تمضمض الصائم أو استنشق وهو يتوضأ ، فسبق الماء إلى حلقه من غير تعمد ولا إسراف ، فصيامه صحيح ، كما لو دخل غبار الطريق ، أو غربلة الدقيق ، أو طارت ذبابة إلى حلقه ، لأن كل هذا من الخطأ المرفوع عن هذه الأمة . وإن خالف في ذلك بعض الأئمة . على أن المضمضة لغير الوضوء أيضاً لا تؤثر على صحة الصيام . ما لم يصل الماء إلى الجوف .
إلى الفهرس
السحور عند أذان الفجر
س: إذا تأخر الإنسان في السحور مجبراً ، كأن يغلبه النوم ، وسمع أذان الفجر وكان ما يزال يأكل طعام سحوره ، فهل يترك الطعام فور سماعه الأذان ؟ أم من الجائز الاستمرار في الأكل حتى انتهاء الأذان .
ج: إذا تأكد أن آذان الفجر في موعده المضبوط ، حسب التقويم المحلي للبلد الذي يصوم فيه ، وجب عليه أن يترك الأكل والشرب فور سماعه الأذان ، بل لو كان في فمه طعام وجب عليه أن يلفظه حتى يصح صومه . أما إذا كان يعرف أن الأذان قبل موعده بدقائق ، أو على الأقل يشك في ذلك فمن حقه أن يأكل أو يشرب حتى يستيقن من طلوع الفجر . وهذا ميسور الآن بواسطة التقويم ( الإمساكيات ) والساعات الدقيقة التي لا يخلو منها بيت .
قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : إني أتسحر ، فإذا شككت أمسكت . قال ابن عباس : كل ، ما شككت حتى لا تشك . وقال الإمام أحمد : إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه .
وقال النووي : وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر : والدليل على ذلك أن الله تعالى أباح الأكل والشرب في ليلة الصيام إلى غاية هي تبين الفجر ، والشاك لم يتبين له الفجر ، قال تعالى : ( فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر ) البقرة : 187.
ومن هنا نتبين أن الإمساك مدة من الزمن قبل الفجر بصفة دائمة لم يرد به كتاب ولا سنة وهو لون من الغلو في الدين ، وينافي ما جاء في السنة من استحباب تأخير السحور . والله أعلم .
إلى الفهرس
أكل الصائم أو شربه ناسيًا
س: كثيراً ما ينسى الناس في بداية شهر رمضان . فيأخذ أحدهم كوب ماء أو سيجارة أو أي شيء آخر ويضعه في فمه . ثم يتذكر أنه صائم . ويكون قد أكل فعلا أو شرب .فهل يجوز له استكمال صيام يومه ؟
ج: جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نسي وهو صائم فأكل وشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) . وفي لفظ للدارقطني بإسناد صحيح . (فإنما هو رزق ساقه الله إليه ، ولا قضاء عليه ..) وفي لفظ آخر للدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .. ( من أفطر من رمضان ناسياً ، فلا قضاء عليه ولا كفارة ) . وإسناده صحيح أيضاً قاله الحافظ ابن حجر .
وهذه الأحاديث صريحة في عدم تأثير الأكل والشرب نسياناً على صحة الصوم ، وهو الموافق لقوله تعالى : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )البقرة : 286 وقد ثبت في الصحيح أن الله أجاب هذا الدعاء .
كما ثبت في حديث آخر : ( إن الله وضع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
فعلى الصائم الذي أكل وشرب ناسياً أن يستكمل صيام يومه ، ولايجوز له الفطر . وبالله التوفيق .
إلى الفهرس
زكاة الفطر لمن صام في بلد وعيَّد في آخر
س : بالنسبة لزكاة الفطر ، إذا صام صائم ثلثي الشهر في بلد ما ، وكان ينوي صيام بقية الشهر في بلد آخر ويشهد العيد هناك . ففي أي البلدين يجب أن يخرج الزكاة ؟
ج: يخرج المسلم زكاة فطره في البلد الذي يدركه فيه أول ليلة من شوال " ليلة العيد " لأن هذه الزكاة ليس سببها الصيام وإنما سببها الفطر ولهذا أضيفت إليه وسميت زكاة الفطر ولهذا لو مات إنسان قبل مغرب اليوم الأخير من رمضان لم تكن زكاة الفطر واجبة عليه ، وإن صام سائر أيام رمضان . ولو ولد مولود بعد مغرب آخر يوم من رمضان أي في الليلة الأولى لدخول شهر شوال كان من الواجب إخراج زكاة الفطر عنه بالإجماع فهي زكاة مرتبطة بالعيد وبتعميم الفرحة به بحيث تشمل الفقراء والمساكين ، ولهذا جاء في الحديث ( أغنوهم في هذا اليوم ) .
إلى الفهرس
خروج المرأة لصلاة التراويح
س: بعض المسلمات يواظبن على صلاة التراويح في المسجد ، تخرج إحداهن إلى الصلاة بدون إذن زوجها ، كما أن بعضهن تسمع أصواتهن متحدثات في المسجد ، فما حكم صلاتهن ، ؟ وهل هي واجبة عليهن ؟
ج: صلاة التراويح ليست واجبة على النساء ولا على الرجال ، وإنما هي سنة لها منزلتها وثوابها العظيم عند الله . روى الشيخان عن أبي هريرة قال : يأمرهم بعزيمة ثم يقول : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ) .
من صلى التراويح بخشوع واطمئنان مؤمناً محتسباً ، وصلى الصبح في وقتها ، فقد قام رمضان واستحق مثوبة القائمين .
وهذا يشمل الرجال والنساء جميعاً . إلا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها بالمسجد ، ما لم يكن وراء ذهابها إلى المسجد فائدة أخرى غير مجرد الصلاة ، مثل سماع موعظة دينية ، أو درس من دروس العلم ، أو سماع القرآن من قاريء خاشع مجيد . فيكون الذهاب إلى المسجد لهذه الغاية أفضل وأولى . وبخاصة أن معظم الرجال في عصرنا لا يفقهون نساءهم في الدين ، ولعلهم لو أرادوا لم يجدوا عندهم القدرة على الموعظة والتثقيف، فلم يبق إلا المسجد مصدراً لذلك فينبغي أن تتاح لها هذه الفرصة ، ولا يحال بينها وبين بيوت الله . ولا سيما أن كثيراً من المسلمات إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات بخلاف ذلك في المسجد والجماعة .
على أن خروج المرأة من بيتها - ولو إلى المسجد - يجب أن يكون بإذن الزوج ، فهو راعي البيت ، والمسؤول عن الأسرة ، وطاعته واجبة ما لم يأمر بترك فريضة ، أو اقتراف معصية فلا سمع له إذن ولا طاعة .
وليس من حق الرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد إذا رغبت في ذلك إلا لمانع معتبر . فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) .
والمانع المعتبر شرعاً : أن يكون الزوج مريضاً مثلاً ، وفي حاجة إلى بقائها بجواره تخدمه وتقوم بحاجته . أو يكون لها أطفال صغار يتضررون من تركهم وحدهم في البيت مدة الصلاة وليس معهم من يرعاهم ، ونحو ذلك من الموانع والأعذار المعقولة .
وإذا كان الأولاد يحدثون ضجيجاً في المسجد ، ويشوشون على المصلين بكثرة بكائهم وصراخهم ، فلا ينبغي أن تصطحبهم معها في فترة الصلاة . فإن ذلك وإن جاز في صلوات الفرائض اليومية لقصر مدتها ينبغي أن يمنع في صلاة التراويح لطول مدتها ، وعدم صبر الأطفال عن أمهاتهم هذه المدة التي قد تزيد على الساعة .
وأما حديث النساء في المساجد ، فشأنه شأن حديث الرجال ، ولا يجوز أن يرتفع الصوت به لغير حاجة . وبخاصة الأحاديث في أمور الدنيا ، فلم تجعل المساجد لهذا ، إنما جعلت للعبادة أو العلم .
فعلى المسلمة الحريصة على دينها أن تلتزم الصمت في بيت الله ، حتى لا تشوش على المصلين أو على درس العلم ، فإذا احتاجت إلى الكلام ، فليكن ذلك بصوت خافت وبقدر الحاجة ، ولا تخرج عن الوقار والاحتشام في كلامها ولبسها ومشيتها .
وأحب أن أقول هنا كلمة منصفة : إن بعض الرجال يسرفون إسرافاً شديداً في الغيرة على جنس النساء ، والتضييق عليهن ، فلا يؤيدون فكرة ذهاب المرأة إلى المسجد بحال ، برغم الحواجز الخشبية العالية التي تفصل بين الرجال والنساء ، والتي لم يكن لها وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، والتي تمنع النساء من معرفة تحركات الإمام إلا بالصوت والسماع ، ولا غرو أن ترى بعض هؤلاء الرجال يسمحون لأنفسهم في المسجد بالكلام والأحاديث ، ولا يسمح أحدهم لامرأة أن تهمس في أذن جارتها بكلمة ولو في شأن ديني ، وهذا مبعثه التزمت وعدم الإنصاف ، والغيرة المذمومة التي جاء بها الحديث : ( إن من الغيرة ما يبغضه الله ورسوله ) ، وهي الغيرة في غير ريبة .
لقد فتحت الحياة الحديثة الأبواب للمرأة . فخرجت من بيتها إلى المدرسة والجامعة والسوق وغيرها، وبقيت محرومة من خير البقاع وأفضل الأماكن وهو المسجد . وإني أنادي بلا تحرج ، : أن أفسحوا للنساء في بيوت الله ، ليشهدن الخير ، ويسمعن الموعظة ويتفقهن في الدين ، ولا بأس أن يكون من وراء ذلك ترويح عنهن في غير معصية ولا ريبة ، ما دمن يخرجن محتشمات متوقرات بعيدات عن مظاهر التبرج الممقوت . والحمد لله رب العالمين .