جار القمر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جار القمر

أهـلاً وسهـلاً بكَ يـا زائر فى منتدى جار القمر
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك "

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
fero
عضو نشط
عضو نشط
fero


عدد الرسائل : 134
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 27/06/2008

" ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " Empty
مُساهمةموضوع: " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك "   " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " I_icon_minitimeالسبت يونيو 28, 2008 7:29 pm

لحنين



محمد جبريل
" ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك "
الإمام على بن أبى طالب ..
حين خرج الرسول ( ص ) مهاجراً من مكة إلى المدينة ، تطلع إلى البيت الحرام بنظرات حب ، ثم قال مخاطباً مدينته المقدسة : " والله إنك لأحب أرض الله إلى ، وإنك لأحب أرض الله إلى الله . ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت " . وفى الحديث الشريف " الخروج من الوطن عقوبة " . وقال عمر بن الخطاب " لولا حب الوطن لخرب البلد السوء " . وروى الدينورى عن الأصمعى قوله : قالت الهند : ثلاث خصال فى ثلاثة أصناف من الحيوان .. الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بعيداً .. والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدباً .. وإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر له نفعاً . وقال الأصمعى : سمعت أعرابياً يقول : إذا أردت أن تعرف الرجل ، فانظر كيف تحنّنه إلى أوطانه وتشوقه إلى أخوانه، وبكاءه على ما مضى من زمانه . وقال الشاعر العربى لمحبوبته : " سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا " . والمثل يقول : " لا يعرف القرب إلاّ من ابتعد " . وثمة العديد من الكتب التى جعلت إلى الوطن محوراً لها : حنين الإبل إلى الأوطان لربيعة البصرى ، حب الوطن ، والحنين إلى الأوطان للجاحظ ، الشوق إلى الأوطان للسجستانى ، حب الأوطان لأبى الفضل أحمد بن طاهر ، الحنين إلى الأوطان للكسروى ، الحنين إلى الأوطان لابن إسحاق الوشاء ، أدب الغرباء للأصفهانى ، المناهل والأعطاف والحنين إلى الأوطان للرامهرمزى ، الحنين إلى الأوطان للتوحيدى ، النزوع إلى الأوطان للسمعانى ، وغيرها ..
***
لفيكتور هوجو مقولة طريفة : " عندما كنت صغيراً ، تمنيت أن أكون كبيراً ، فلما كبرت عاودنى الحنين إلى شبابى . ويروى عباس خضر فى ذكرياته أنه رأى شاباً فى قطار الصعيد يبكى . سأله :
ـ مالك ؟..
ـ الغربة !..
ـ أية غربة ؟ وإلى أين أنت ذاهب ؟..
ـ إلى أسيوط . نقلونى إلى أسيوط . منهم لله ! ..
ويقول الشاعر الإنجليزى وليام وردورث " الطفل أبو الرجل " ، أى أن فترة الطفولة تترك تأثيرات فى فترات عمر الإنسان التالية ، لا تفارقه ، وتظل مخزوناً يفيد منه إذا كان مبدعاً . وفى رائعته القصيرة على من يقع اللوم يعتذر بلزاك عن الإسهاب الذى تناول به معالم الشارع الذى تدور فيه أحداث القصة ، فقد كان الحنين إلى الشارع الذى شهد طفولة بلزاك هو الدافع لكل ذلك الإسهاب . المكان الذى أمضى فيه المرء طفولته ـ والقول لبرجسون ـ هو الفردوس المفقود ، وهو يظل فى حياة صاحبه كأنه ماسة فى عنق الأبدية . وقد تتعدد الأماكن التى يقيم فيها الإنسان ، ولكن يظل لمكان الطفولة تفرّده ، وسمته الخاص ، وحميميته المطلقة ..
ويقول فوكنر : " أستطيع أن أكتب عن قريتى وأنا خارجها دون توقف على الإطلاق " .
وحين سئل جابرييل جارثيا ماركيث : لماذا لا تعيش فى وطنك كولومبيا ؟..
أجاب : من قال إنى لا أعيش فى كولومبيا ؟.. لقد غادرت الوطن ، لكننى مازلت أحيا فى كولومبيا ! . بل إن ماركيث يؤكد ـ فى بساطة ـ أن مائة عام من العزلة ، وخريف البطريرك ، وقصة موت معلن ، والحب فى زمن الكوليرا " جميعها جاءت من الحنين " . وكان باعث الرواية الأولى لإيزابيل الليندى بيت الأرواح هو الحنين " من الرغبة فى استعادة العالم الذى فقدته بعد أن اضطررت لمغادرة وطنى والعيش فى المنفى " . وكما يقول ميشيل بوتور ، فعندما يكون المرء بعيداً عن وطنه ، وقد أسرته الأماكن التى كان يحلم بها ، فإنه يحلم بوطنه ، ويشعر بحنين إليه ، ويظهر له بألوان الطيف
***
الحنين إلى الماضى ، إلى الزمان والمكان ، تكوين أساس فى طبيعة الإنسان المصرى ، فى شخصيته . وتعد قصة سنوحى أول عمل إبداعى عن الحنين إلى الوطن . سنوحى الوزير لأول للفرعون . فر من تهمة ظالمة إلى أرض الشام . تواصلت أيامه هناك فى هناءة وسعادة . وكانت الصحراء الشاسعة تردد أغنياته وقصائده وأنغامه العذبة ، حتى وصل صداها إلى شواطئ النيل ، ورددها المصريون فى كل أنحاء الوادى ، لقرون خمسة متوالية . لكن سنوحى ظل على حنينه إلى وطنه وحبيبته تيكاهيت ، ويغنى لها الألحان الجميلة على قيثارته ونايه : " أيها الإله العظيم ، يا من أمرتنى بالهروب ، وحميتنى بالغربة . كن رحيماً ، وأعدنى ثانية إلى قصر الملك لأرى المكان الذى يسكن فيه قلبى ، وأن تدفن جثتى فى الأرض التى ولدت فيها ، وخرجت منها ، وبقرب من أحببت " .
وظل سنوحى على حنينه وأمله فى العودة إلى وطنه ، حتى عفا عنه الفرعون سنوسرت ، بعد أن تأكد أن فرار سنوحى من وطنه لم يكن إلاّ للخوف على حياته من التآمر .
***
أثق أن " الحنين " كان هو الباعث لكتابة محمد حسين هيكل روايته زينب ، والأعمال الأولى للحكيم . النظر إلى الوطن من بعيد ، كالنظر إلى الماضى تماماً ، ينبض بالحنين ، يتطلع بالمنظار الوردى ، يهمل السلبيات فلا يشغل الصورة إلاّ كل ما هو رائع ومشرق وجميل . وربما التمع الدمع فى العينين لحديث عابر ، وانثالت عشرات الصور والذكريات ..
لو أن محمد حسين هيكل ظل فى مصر ، ولم يسافر إلى باريس للدراسة ، هل كان يكتب روايته الرائدة زينب ؟ .. ولو أن توفيق الحكيم تقدم لنيل الماجستير ، فالدكتوراه ، فى مصر ، ولم يحاول الحصول عليهما فى السوربون ، هل كان يهمل الهدف الذى سافر من أجله ، ويكتب ـ فى شبه تفرغ ـ عودة الروح وعصفور من الشرق وزهرة العمر ؟..
زينب ـ كما يقول هيكل ـ " ثمرة حنين للوطن وما فيه ، صورها قلم مقيم فى باريس ، مملوء ـ مع حنينه لمصر ـ إعجاباً بباريس ، وبالأدب الفرنسى " . ويقول هيكل فى تقديمه للرواية إنه " لولا هذا الحنين ، ما خطّ قلمى فيها حرفاً ، ولا رأت هى نور الوجود " . لقد اختلط فى نفسه الولع بالأدب الفرنسى بحنينه العظيم إلى مصر . وكان من ذلك ـ على حد تعبيره ـ أن همّ بتصوير ما فى نفسه من ذكريات لأماكن وحوادث مصرية . ويذكر أنه بدأ فى كتابتها بالعاصمة الفرنسية فى إبريل 1910 ، وفرغ منها فى مارس 1911 ، وإن كتب أجزاء منها فى لندن وفى جنيف أثناء الإجازة الصيفية . ثم دفع بها إلى المطبعة فى 1912
أما توفيق الحكيم فهو يتساءل : " هل من الشعور الطبيعى للإنسان أن يتوهج فيه الحنين لوطنه كلما زاد بعده ؟.. كل الذى أعرفه أننى لم أعش داخل بلدى بحرارة وقوة وحب للوطن مثلما عشت فى الوقت الذى كنت فيه بعيداً . هناك فى باريس ، حوالى سنة 36 ـ 1937 ، أدى بى التفكير إلى استعادة أعنف ما مر بى منذ ثمانى سنوات ، أى فكرت فى ثورة مصر سنة 1919 ، عادت إلىّ وأنا فى الغربة بكل عنف مشاعرها ، بكل ما فيها من ذكريات ، بكل ما حاطها من ظروف وملابسات . وفى الغربة ـ حيث يصبح كل شئ مجسّماً والمشاعر أشد احتداماً ، والحنين فى أعلى درجة حرارة ـ هناك بدأت أجسّد هذه المشاعر الوطنية تجسيداً فنياً واقعياً . وكان هذا هو مبدأ عملى فى عودة الروح . لقد حمل الحكيم مصر معه إلى باريس ، وكتب فيها عودة الروح التى تعد ـ رغم تقضى الأعوام ـ عملاً طازجاً وجيداً ، وإن أدار فيها حواراً مصطنعاً بين إنجليزى وفرنسى ، أكد فيه عظمة هذه المعشوقة الغالية ، البعيدة : مصر !
ويتحدث يحيى حقى عن الأعوام التى أمضاها فى السلك السياسى المصرى خارج البلاد : " لم أنقطع عن التفكير فى بلادى وأهلها . كنت دائم الحنين إلى تلك الجموع الغفيرة من الغلابة والمساكين الذين يعيشون برزق يوم بيوم " ..
ومع أن الكاتبة المصرية المولد والنشأة أندريه شديد قد استوطنت فرنسا منذ سنوات ، فإن الحياة المصرية هى نبض غالبية أعمالها ، يدفعها ـ باعترافها ـ ذلك الحنين الشاعرى نحو بيئتها الأولى وناسها الأصليين !..
***
الإحساس بالغربة بعيداً عن الوطن ، والحنين ـ فى المقابل ـ إلى الوطن ، ينطلقان من الأمثال الشعبية " الغريب أعمى ولو كان بصير " .. " الغربة طربة تقل بالأصول " .. " البطيخة ما تكبرش إلا فى لبشتها " إلخ .. فإذا أثير حديث الرحيل ، قال المثل : " رب هنا رب هناك " ..
واللافت أن معظم الأعمال الإبداعية تصدر عن حنين إلى الزمان أو المكان ، أو إليهما معاً . وإذا راجعت معظم ما كتبت من إبداعات ، فإنها محاولة للسير فوق ذلك الجسر المسمّى الحنين إلى عوالم مكانية وزمانية ..
الحنين إلى المكان حالة يسميها علماء النفس " النوستالجيا " ، بمعنى الافتقاد ، أو الحنين . عندما أكون خارج مصر ، فإن الحنين يدفعنى إلى استحضار الملامح المألوفة واللهجة ، إلى الحياة فيها ومعها ، تذكّر التفصيلات الصغيرة ، والتافهة . يهزنى الحنين فى صوت الناى ، وتلاوة محمد رفعت وأبو العينين شعيشع ، وغناء أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ، ولوحات محمود سعيد ، وروايات نجيب محفوظ ، وقراءات فاروق شوشة فى الإذاعة ، والأفلام المصرية فى التليفزيون . وثمة الإسكندرية . إنها ـ عندى ـ ليست مطلقة ، بل تتحدد فى ذكريات شخصية وأماكن وبشر . بالتحديد حى بحرى ، ناسه ومساجده وميادينه وأسواقه وشوارعه وأزقته وتميز الحياة فيه . الإسكندرية فى داخلى أينما ذهبت ، وإن كنت أنتمى ـ بمشاعرى وذكرياتى ـ إلى بحرى ، إلى تلك المنطقة بالتحديد التى تبدأ من ميدان المنشية ، وتنتهى فى سراى رأس التين . إن البحر وصيادى السيالة وحلقة السمك وأولياء الله ، حياة واحدة ، عائلة واحدة . وأحياناً ، فإن الخاطر يلح ـ حين يمر الأوتوبيس أو المترو أمام محطة القاهرة ـ أن أغادر مكانى ، وأتجه إلى القطار ، فأسافر إلى الإسكندرية ، حبيبة أتوق للقائها كلما لاحت فرصة ..
بحرى ليس هو الحى الذى عشت فيه أعوام الطفولة والنشأة ومطالع الشباب . عندى هو الذكريات ، هو الجوامع والمساجد والزوايا والأضرحة والميدان الواسع قبالة أبى العباس ، قبل أن تبتلعه العشوائية التى تعاون فى تحقيقها محافظ سابق وعدد من رجال الأعمال . بحرى هو سوق العيد الذى تلاشت ملامحه بعد أن حظرت التعليمات وجوده ، وهو أبواب الجمرك المفتوحة دون تصاريح دخول ، ولا قوائم بالممنوعين . وهو ما استقر فى داخلى من تعاملات البشر والمعتقدات والعادات والتقاليد والعبارات والمفردات والحواديت الصغيرة التى تركت تأثيرات فى النفس ، وربما تركت ندوباً على الجسد . غاب عن بحرى علماء دين وتجار وفتوات وشيوخ صيادين ، هم الذين منحوا بحرى زمنه الجميل . أذكر درس المغرب للشيخ عبد الحفيظ إمام جامع سيدى على تمراز ، ووقفة أم البحرية عصمت محسن فى شرفة فيللتها المطلة على سراى رأس التين ، والشيخ أحمد صاحب الكتاب فى شارع فرنسا ، أمضيت فيه عاماً أو أكثر من طفولتى ، والرشيدى بائع المشروبات ، وعم أحمد الفكهانى ، والطيبين بائع البسبوسة . مع ذلك ، فإن بحرى عندى ليس مجرد البحر والشاطئ والجوامع والميادين والشوارع والبشر . إنه كائن له قسمات وملامح وذكريات وحكايات . حتى الجدران والبيوت والنوافذ تمثل ـ فى داخلى ـ ذاكرة أحيا معها ، وبها . أمام البنايات الجديدة ، الأسمنت ، والنوافذ الزجاجية الضيقة ، والطوابق القصيرة ، وغياب النقوش والزخارف والمقرنصات ـ حتى لو تشوهت ، أو تساقطت ! ـ يغيب إحساسى بالألفة والحميمية والدفء . لكثرة ما استمعت إلى صوت الأمواج وهى ترتطم بصخور الشاطئ فى امتداد الميناء الشرقية ، فقد أصبح الصوت ملازماً لى فى رحلاتى خارج الإسكندرية . أستعيده ، فيعيدنى إلى مدينتى ، وإلى البحر والبلانسات وصيد الجرافة والسلسلة وقايتباى وحاجز الأمواج فى مدى الأفق ..
***
المثل يقول : " نحن نحمل أوطاننا فى غربتنا " . والحنين خاصية مؤكدة القسمات عند المصرى الذى تضطره الظروف إلى ترك وطنه . حنين دائم ، ومتصل . يحن إلى وطنه وموطنه ـ المدينة ، أو القرية ، أو الحى الذى يحيا فيه ـ وإلى أهله وأصدقائه ، وإلى الذكريات الصغيرة .
فى قصتى القصيرة أحمس يلقى السلاح يدندن البطل ـ دون تدبّر ـ بمطلع الأغنية :
على بلدى المحبوب ودّينى زاد وجدى والبعد كاوينى
إنه نفس الحنين القديم الذى بلور أمنيات سنوحى فى أمنية واحدة ، أن يعود إلى بلاده ليموت فيها !. وحتى الآن ، فإنى أفضل ـ رغم انقضاء عشرات الأعوام على مغادرتى الإسكندرية بصورة عملية ـ أن تكون أعمالى تعبيراً عن الحياة فى بحرى ، هذا الحى الذى ولدت فيه ، وأمضيت أعوام طفولتى وصباى وشبابى الباكر . سرت فى شوارع وميادين وأسواق ، سبقنى إلى السير فيها عبد الله النديم وسلامة حجازى وكامل الخلعى وسيد درويش وبيرم التونسى وعشرات ممن تأثروا بمظاهر الحياة المميزة ، والمتفردة ، فى بحرى ، وانعكست تلك التأثيرات فى إبداعاتهم ..
***
تبقى حقيقة يجدر بى أن أعترف بها : إذا لم أكن قد عشت معظم أعوام عمرى فى الإسكندرية / بحرى ، فإن الإسكندرية قد عاشت فى داخلى كل عمرى ..
ظلت أمنيتى أن أقطن شقة فى وسط البلد ، أقضى فيها ما تبقى من العمر . وسط البلد الذى أعنيه هو بحرى . أنزل ـ فى أى وقت ـ إلى الشوارع والأسواق والميادين والمقاهى ، وكل ما ينتسب إلى البيئة التى نشأت فيها . زوجتى تمتلك شقة فى العجمى ، لكننى أضيق بها ، فهى تبتعد عن وسط البلد بالمعنى الذى أفهمه ، تبتعد عن بحرى ، فأنا لا أحب الإقامة فيها . تعزلنى عن الحياة التى ألفتها ..
واصلت البحث ، فلم أجد ثقب إبرة . العدد كامل ، وحركة البناء توقفت لأن كل الأراضى التى تصلح للبناء قد تم بناؤها بالفعل . ثم عثرت على شقة فى عمارة لم يكتمل بناءها تطل على سيدى على تمراز . بدت غاية المراد من رب العباد ، وإن تقاسم واجهتها ـ مع الميدان ـ حارة صغيرة تفضى إلى شارع محمد كريم ( التتويج )
كان صاحب البناية فى حوالى الخمسين . ينتسب ـ من الخشونة الواضحة فى يديه ، ومن اختلاط الألوان فى ملابسه ـ إلى فئة الحرفيين . وحدست أنى رأيته فى ترددى ـ أحياناً ـ على ورش سمكرة السيارات بالعطارين ..
أفزعنى الرقم الذى حدده الرجل لامتلاك الشقة :
ـ 350 ألف جنيه ..
استعدت الرقم ، فأكده ..
لجأت إلى الدعابة :
ـ لبنايات الميدان أو للبناية وحدها ؟
قال من بين أسنانه :
ـ لغرفة واحدة إن شئت تملّكها !

***
ثمة المدن التى زرتها ، وأقمت فيها لفترات قصرت أو طالت . الحنين لا يقتصر على الوطن أو الموطن وحده . إنه ـ هنا ـ يأتى مرادفاً للإحساس بالغربة والشوق إلى الأهل والأصدقاء ومواطن الذكريات . الحنين يداخلنا بعد أن نمضى فى بعض الأماكن فترات ، ثم نتركها . فأنا أحن إلى عمان والسعودية والإمارات والجزائر وفرنسا ولبنان وتونس وموريتانيا وسوريا وليبيا وكل البلاد التى زرتها ، وأنشأت فيها صداقات ، وتعرفت إلى أماكن وبشر . ربما خرجت بذكريات سيئة ، لكن الحنين يتحرك بالابتعاد ، ولعله من هنا جاء قول مستر ميلز فى رواية ديكنز الصغيرة ديترويت : " إن المرء دائماً يسامح المكان متى ابتعد عنه " ..
نحن نحيا المكان ـ كتجربة ـ عندما يذكّرنا بأماكننا القديمة ، الأليفة ، أو يجعلنا نهرب منه إلى أماكننا القديمة ، الأليفة . يضعنا فى إطار الذكريات . وهو ما يسميه باشلار " تعليق " القراءة ، فالقارئ يتذكر ـ من خلال العمل الإبداعى ـ أمكنته الخاصة ، والحميمة ..
***
هل الوطن حيث الجذور والأصول ، أو الوطن حيث أعيش ؟
طرح السؤال نفسه فى العديد مما كتبت روايات الخليج ومد الموج وشمس مسقط الباردة وزمان الوصل ويسألونك عن ذى القرنين .. وقصص الأكسر و القناع و باب البحر وغيرها ..
لكى يشعر المرء بالانتماء إلى الوطن ، لكى يشعر بأنه واحد من مواطنيه ، فلابد أن يحيا فى أرضه ، ويعايش مشكلاته وطموحاته . أوافق ميلان كونديراً فى أن الكاتب ـ تحديداً ـ ليس بمقدوره أن يحيا فى أى مكان إلاّ فى وطنه ..
والغربة لا تقتصر على البعد عن الوطن ، فقد أعانى الغربة وأنا أحيا فى وطنى . بل إن الظاهرة المقابلة هى إيثار البعض للفرار من الوطن ، والحياة خارجه . ولا يخلو من دلالة قول الكولونيل لورنس ـ وهو الذى أمضى أعواماً طويلة فى الصحراء العربية ـ إنه لم يصبح إنجليزياً حتى بعد عودته إلى بلاده ..
****
أما الحنين إلى الزمان ، فقد كان هو الذى حرك الروايات الكبرى فى القرن التاسع عشر ، مثلما نجد ـ على سبيل المثال ـ فى أعمال بلزاك وفلوبير وستندال وتولستوى وغيرهم ، وهو ما يجد امتداداته ـ فى الفترات التالية ـ فى أعمال وولتر سكوت وجورجى زيدان وسارتر وكامى ومحفوظ وعادل كامل وباكثير ومكاوى والعريان وأبو حديد إلخ ..
ولعل الحنين إلى الزمان ـ بالنسبة لى ـ يتوضح فى الأعمال التى تحاول توظيف التراث ، سواء أكان الزمان فرعونياً كما فى اعترافات سيد القرية ، أو هيلينيا كما فى غواية الإسكندر ، أو إخشيدياً كما فى من أوراق أبى الطيب المتنبى ، أو فاطمياً كما فى ما ذكره رواة الأخبار ، أو مملوكيا كما فى قلعة الجبل ، أو عثمانياً كما فى الجودرية ، أو ينتسب إلى ألف ليلة وليلة كما فى زهرة الصباح وغيرها ..
حين أنشغل بقصة تحاول توظيف التاريخ ، أو تحاول توظيف التراث ، فإنى أحيا ذلك الزمن البعيد . أقرأ فى المعتقدات والعادات والتقاليد وسلوكيات الحياة اليومية . أنا أحيا فى إبداعاتى ما عشته ، أو قرأته ، من قبل . يصبح الماضى ـ بفعل الكتابة ـ حاضراً ، أحياه بكل تفصيلاته وجزئياته ومنمنماته ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Nerminlovers
مشرف المنتدى الفني
مشرف المنتدى الفني
Nerminlovers


عدد الرسائل : 950
تاريخ التسجيل : 27/06/2008

" ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " Empty
مُساهمةموضوع: رد: " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك "   " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 01, 2008 3:45 am

جزاك الله خيرآ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
melo
المشرف العام
المشرف العام
melo


عدد الرسائل : 2255
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 25/06/2008

" ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " Empty
مُساهمةموضوع: رد: " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك "   " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 09, 2008 8:14 pm

موضوع جميل Very Happy
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جار القمر
Admin
Admin
جار القمر


عدد الرسائل : 572
تاريخ التسجيل : 23/06/2008

" ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " Empty
مُساهمةموضوع: رد: " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك "   " ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك " I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 09, 2008 11:44 pm

رااااااااااااااااائع
جزاك الله خيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://garelamar.yoo7.com
 
" ليس بلد بأحق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جار القمر :: *****الــمـــنـــــتــــدى الـثــــــــــقــــــافـــــــي***** :: القصص والروايات-
انتقل الى: